عروض نوستالجيا شالة تبعث الروح في أطلال شالة بالرباط

في أمسية صيفية ساحرة، أضاءت عروض نوستالجيا شالة سماء مدينة الرباط، حاملة معها عبق الماضي وسحر الحاضر في تجربة ثقافية فريدة. هذا العرض، الذي عاد في موسمه الثالث، اختار موقع شالة الأثري كمسرح حي ينبض بالإبداع، ليحول هذا المعلم التاريخي إلى فضاء فني يروي قصص الأجداد بلغة معاصرة تجمع بين الأصالة والحداثة. يجسد هذا العرض الفرجوي المتميز الذي نظم الأسبوع الأول من يوليوز رحلة عبر الزمن تربط بين أجيال الماضي والحاضر، وتؤكد على عمق الهوية الحضارية المغربية.

عرض فني استثنائي يعيد إحياء التاريخ بلمسة معاصرة

لم يكن اختيار موقع شالة الأثري اعتباطياً، فهذا الموقع الذي يضم بقايا مدينة رومانية قديمة ومقبرة مرينية يمثل لوحة حية من تاريخ المغرب. أحجار شالة الصامتة تحمل في طياتها شهادات حضارات متعاقبة، من الرومان إلى المرينيين، مروراً بالعصور الوسطى. تحول عروض نوستالجيا شالة هذه الأحجار إلى راوٍ يحكي قصص الأبطال والملوك والحياة اليومية التي شهدها الموقع عبر القرون. يقول المخرج أمين ناسور عن هذا العمل: “هذا العمل ونجاحه هو بفضل مجهودات كل فريق العمل”، مشيراً إلى الجهود الجماعية التي ساهمت في إحياء هذا المشروع الطموح.

عروض نوستالجيا شالة: تجربة فنية متعددة الأبعاد

يتميز عرض “نوستالجيا” بكونه تجربة فنية شاملة تجمع بين مختلف أشكال الفنون الأدائية. الإضاءة المدروسة بعناية تسلط الضوء على تفاصيل المعالم الأثرية، مما يعيد إحياءها بطريقة درامية تأسر الألباب. الموسيقى التصويرية، التي تمتزج مع الأداء المسرحي، تخلق تجربة غامرة تأخذ المشاهدين في رحلة عبر الزمن. الممثلون، بأزيائهم التاريخية المصممة بعناية فائقة، يتحركون بين أعمدة شالة وقبابها كأنهم أشباح الماضي عادت لتروي حكاياتها. في تصريح لمجلة ثقافات، عبرت الممثلة فاطمة الزهراء أحرار عن تجربتها قائلة: “المشاركة في عرض نوستالجيا شالة هي تجربة فريدة واستثنائية”، مؤكدة على التأثير العميق الذي تركته هذه التجربة في مسيرتها الفنية.

تقنيات معاصرة في خدمة التراث

تبرز عروض نوستالجيا شالة في توظيفها لأحدث التقنيات السمعية والبصرية لخلق تجربة بصرية مبهرة. أشعة الليزر ترسم على جدران الموقع الأثري لوحات ضوئية تحكي فصولاً من التاريخ، بينما تتكامل تقنيات العرض ثلاثي الأبعاد مع الأداء البشري لتقديم تجربة فنية تجمع بين الأصالة والابتكار. هذه التقنيات لا تعزز جمالية العرض فحسب، بل تساهم في إيصال الرسائل التاريخية بطريقة تجذب الجمهور العصري وتجعل التاريخ متاحاً ومثيراً للاهتمام.

يمكنكم الاطلاع أيضا على المعهد العالي للفن المسرحي والتنشيط الثقافي والتكوين المسرحي في المغرب

جمهور متنوع يعيش التجربة

شهد العرض حضوراً جماهيرياً كبيراً من مختلف الأعمار والخلفيات الثقافية، من عشاق التاريخ إلى محبي الفنون المعاصرة. تفاعل الجمهور مع العرض كان لافتاً، حيث تابعوا المشاهد بحماس وأعربوا عن إعجابهم بالطريقة المبتكرة التي قدم بها التراث المغربي. الأطفال، الشباب، وكبار السن وجدوا في “نوستالجيا” شيئاً يتحدث إلى قلوبهم، مما يعكس القدرة الفريدة للعرض على خلق تواصل بين الأجيال.

عروض نوستالجيا شالة: رسالة ثقافية تصل إلى العالمية

تأتي عروض نوستالجيا شالة بتنظيم مشترك بين وزارة الشباب والثقافة والتواصل والأستوديوهات المغربية العالمية بورزازات، في شراكة تجسد رؤية طموحة لتعزيز المشهد الثقافي المغربي. هذا التعاون يعكس التزام الحكومة بالاستثمار في الثقافة كرافعة للتنمية المستدامة، حيث يهدف إلى إبراز التراث المغربي على الصعيدين الوطني والدولي. إن اختيار موقع شالة الأثري كمسرح لهذا العرض يعكس التزام المنظمين بإعادة إحياء المواقع التاريخية وتحويلها إلى فضاءات حية تخدم الثقافة والسياحة.

وراء الجانب الفني والجمالي، يحمل عرض “نوستالجيا” رسالة ثقافية وحضارية تهدف إلى تعزيز الانتماء للهوية المغربية. من خلال إعادة إحياء التاريخ، يذكر العرض المشاهدين بأن التراث ليس مجرد بقايا أثرية، بل هو ذاكرة حية تشكل الحاضر وتلهم المستقبل. هذا العرض يساهم في تعزيز الفخر الوطني ويبرز التنوع الحضاري للمغرب، مما يجعله جسراً ثقافياً يربط بين المغرب والعالم.

آفاق مستقبلية لتطويرالسياحة الثقافية بالرباط

يعد نجاح الموسم الثالث من “نوستالجيا” خطوة نحو تطوير السياحة الثقافية في المغرب. هذه النوعية من العروض الفنية عالية الجودة تساهم في جذب السياح المحليين والدوليين، وتعزز مكانة المغرب كوجهة ثقافية عالمية. كما أنها توفر نموذجاً مبتكراً لتوظيف التراث في خدمة الاقتصاد والتنمية المستدامة، مما يفتح آفاقاً واعدة لمستقبل الصناعة الثقافية في المملكة.

مع انطفاء أضواء العرض، تعود شالة إلى صمتها التاريخي، لكن الذكريات التي خلقتها “نوستالجيا” تبقى محفورة في أذهان الجمهور. يمثل هذا العرض تجربة تحيي التاريخ وتعيد صياغته بلغة معاصرة تناسب الأجيال الجديدة. ف”نوستالجيا” يظل جسرا يربط بين الماضي والحاضر، ونافذة تطل منها الأجيال على ثراء هويتهم الحضارية، مما يجعلها تجربة لا تُنسى تؤكد على قوة الفن في إعادة إحياء التراث.

Exit mobile version