أدب وفكر

عشر روايات مغربية للقراءة: من التاريخ إلى الهجرة وأسئلة الذات والهوية

تقدم مجلة ثقافات عشر روايات مغربية للقراءة، فالرواية المغربية المعاصرة تشهد تطوراً ملحوظاً في تناولها للقضايا الإنسانية الكبرى، حيث تنوعت المواضيع والتقنيات السردية لتعكس تعقيدات الواقع المعاصر وتساؤلات الذات الإنسانية في عصر العولمة. من استكشاف التاريخ المغربي العريق إلى تجارب الهجرة والاغتراب، ومن قضايا الهوية والذاكرة إلى التحولات الاجتماعية والسياسية، تقدم هذه الروايات العشر بانوراما غنية ومتنوعة للإبداع الروائي المغربي الراهن.

تتميز هذه الأعمال بجرأتها في طرح الأسئلة المؤرقة، وبتنوع أساليبها السردية، وبقدرتها على الغوص في أعماق التجربة الإنسانية سواء في البيئة المحلية أو في فضاءات المنفى والاغتراب. إنها دعوة للقراءة والتأمل في مسارات الحياة المعاصرة وتحدياتها المتعددة.

أولاً: رواية “الباشادور” لحسن أوريد

تستدعي رواية “الباشادور” شخصية أبي القاسم الزياني، إحدى الشخصيات المهمة في التاريخ المغربي، والتي عاشت في دواليب المخزن وعايشت محطات حاسمة ليس فقط في تاريخ المغرب بل في تاريخ الحضارة الإسلامية عموماً. فقد عايش الزياني أفول الإمبراطورية العثمانية ونقل رسائل من محمد بن عبد الوهاب إلى سيدي محمد بن عبد الله.

يأتي هذا العمل تجسيداً لرغبة أوريد في تسليط الضوء على جوانب من تاريخ المغرب وعلى شخصيات بارزة طالما ظلت في “مطمورة” الشخصيات التاريخية. والعمل، كما يوضح الكاتب، ليس روائياً بنسبة 100% ولا تاريخياً بنسبة 100%، بل يمثل نضجاً يمكن من النظر إلى التاريخ بموضوعية، “بما هو كائن وليس بما كان ينبغي أن يكون”. إن الاهتمام المتزايد للمغاربة بالتاريخ ينم عن أسئلة وجودية يطرحها المغرب المعاصر، لأن الشعوب التي تجهل تاريخها تكرر نفس الأخطاء.

ثانياً: رواية “والله إن هذه الحكاية لحكايتي” لعبد الفتاح كيليطو

تمثل هذه الرواية الصادرة عن منشورات المتوسط بميلانو تجربة سردية فريدة في تقنياتها. تطير امرأة تدعى “نورا” من سطح بيت الراوي، حيث ستُسرد حكايتها من أجل العودة إلى حكاية الراوي المتكلم، لكن حكاية المرأة تنتهي دون أن تبدأ حكاية الراوي المُنتظرة.

يقلب كيليطو المعادلة السردية التقليدية بعنف: الحاضر كله، الأنا (الحضور الأقوى للراوي في النص)، مكرسة لنفي نفسها، لنفي حكايتها، لنفي الحاضر الروائي، أو لتركه بالكامل رهناً لتخمين المتلقي. هيمنة للأنا تفسح الطريق للآخر أو الآخرين: حكاية حسن البصري وجنيّته، حكاية حسن ميرو ونورا، حكاية موريس ونورما. الضمير الأول يحضر قبل أن ينكث بوعده عنيفاً، ليتحول الراوي إلى عليم، يسرد حكايات آخرين دون حكايته.

ثالثاً: رواية “من يكمل وجه الجنرال؟” لعبد الكريم الجويطي

يواصل الروائي المغربي عبد الكريم الجويطي مشروعه الروائي الطموح بإصداره الجزء الثاني من الرباعية الملحمية الموعودة تحت عنوان “من يكمل وجه الجنرال؟” عن المركز الثقافي العربي (2025). وقد سبق أن أطل الجزء الأول تحت عنوان “ثورة الأيام الأربعة” في 2021.

يتميز هذا المشروع السردي الضخم بأن محكيه الجسور سيستغرق أربعة أجزاء على مقاس الأيام الأربعة التي استغرقتها الثورة الغريبة الأطوار. إيقاع الرواية نهري أو ماراثوني، وتحتاج قارئاً يحترف سباق المسافات الطويلة، لكي يتحقق له بلوغ مناطق وعرة ذات منعرجات حادة، تحرضه على اكتشاف المزيد من الكنوز المدسوسة في غابة الأربعة أيام. الحذاقة السردية وفن التدبير الحكائي يفصحان عن خبرة وعمق صاحبهما في التعامل مع الجبل الذي يتعمم الغيوم، والوادي الذي يؤوي القرى الطاعنة في النسيان.

رابعاً: رواية “التيهاء” لعبد القادر الشاوي

تمثل رواية “التيهاء” للروائي والباحث عبد القادر الشاوي (منشورات الفنك) محاولة سردية لاختبار القدرة على مغالبة النسيان وامتحان الذاكرة في علاقتها بالماضي وبزمن الكتابة في الحاضر. إنها محاولة لمغالبة النسيان، لأن معظم الذكريات قد يكون بلاها الزمن، وقد يكون بقاؤها فيه شيء من مقاومة النسيان بطريقة فيزيولوجية لا يعتريها المرض.

هذه المقاومة جديرة بأن تحدث في عملية الاستعادة كثيراً من التهيؤات التي يحسبها السارد حقائق وجود تلك الذكرى، ولكنها قد تكون أيضاً ما يتهيأ له بحكم المسافة والبعد، فيحصل ما يمكن تسميته بالاشتباه. الذاكرة هنا هي الحافظة التي تختزن الذكريات، أي الأفعال التي نقوم بها ونعيشها في شكل كتل وجدانية لها جميع مقومات الوجود: زمن الوقوع، مكان الوقوع، العلاقات، وباقي التفاصيل المرتبطة بما تحفظه الذاكرة.

خامساً: رواية “هوت ماروك” لياسين عدنان

تقدم رواية “هوت ماروك” ديواناً سردياً للراهن المغربي في أبعاده السياسية وخلفياته الاجتماعية من خلال حكايات متضافرة لواقع طافح بالاختلالات، وشخصيات تجسد في معظمها قيماً وضيعة للانتهازية والفساد والنفاق الاجتماعي.

يرسم عدنان شخوص الرواية قرينة لمسوخ حيوانية من خلال تمثلات ذهنية للشخصية الرئيسية، كما لو أن الفضاء الاجتماعي ذا الواجهة اللامعة بعناوين التقدم والحداثة يضمر غابة موحشة تسود فيها ثقافة القطيع وتحرك كائناتها غرائز بدائية وهواجس دفينة تطلب الإشباع والسلوى بأي ثمن.

سيحتفظ قراء الرواية في ذاكرتهم طويلاً باسم “رحال العوينة” الذي يرى نفسه “سنجاباً”، ليس فقط كبطل للرواية، ولكن كمرآة يعكس بها الكاتب العلاقة بين طفولة نخرها الحرمان من جهة، وانحرافات سلوكية من عناوينها الحقد على الناجحين والتوجس من الانحدار مجدداً إلى الحضيض واستخدام أحط الوسائل لتحقيق غايات ولو وضيعة من جهة أخرى.

سادساً: رواية “نقطة الانحدار” لفاتحة مرشيد

صدرت عن المركز الثقافي للكتاب (بيروت/الدار البيضاء، 2022) هذه الرواية الجديدة للدكتورة فاتحة مرشيد في 190 صفحة من القطع المتوسط. بأسلوبها المتفرد وجرأتها المعتادة، تغوص مرشيد في العوالم المعتمة للمجتمع الأمريكي لتقدم من خلال شخصية مهاجر مغربي وصل إلى قمة النجاح قبل أن يبدأ رحلة الانحدار تحليلاً دقيقاً لواقع “الحلم الأمريكي” الذي أصبح كابوساً عند الكثيرين.

تسلط الرواية الضوء على عالم الهامش والعمق المأساوي لظاهرة المشردين، متساءلة: كيف يعقل أن يكون البلد الذي ينتج أكبر عدد من العلماء والباحثين والحاصلين على جوائز نوبل والذي يستقطب أذكياء العالم هو نفسه الذي ينتج أكبر عدد من المشردين؟ إن “نقطة الانحدار” نص يحطم أسطورة “الحلم الأمريكي” ويعيد صياغة أسئلة الهجرة والهوية والمعنى.

سابعاً: رواية “بيتنا الكبير” لربيعة ريحان

صدرت للروائية ربيعة ريحان عن دار العين بمصر هذه الملحمة الفاتنة التي تعيدنا لطفرة ملهمة في أصل الوجود البشري من خلال التمرد الأصيل، تمرد الجد المختلف الذي اتبع فطرة الحق الإنساني الذي يسري في دمه رغم الخطر والتهديد بفقد حياته.

“بيتنا الكبير” رواية تغور في زمن قريب منا لكنه غائب عنا، زمن تخلق مثل بركان سوى يابسة جديدة. رواية تكشف عن سؤال تمرد الجد عن جبروت الأجداد في العائلة وعن غطرسة التسلط في المجتمع. رواية لا تجيب القارئ مباشرة، بل تستدرجه ليعود عبرها إلى بداية خليقة جديدة. بوعي إنساني طبيعي سنفهم الجد ونبله وجنونه وعصاميته، ونؤيده بعيداً عن صرعات العصر، سواء ذكورية أو نسوية أو أيديولوجية.

ثامناً: رواية “حلم تركي” لكريمة أحداد

تغوص الكاتبة المغربية الشابة كريمة أحداد عبر روايتها “حلم تركي” في عوالم الاغتراب والهجرة، متسائلة عما إذا كان المهاجر يجد في بلاد الأناضول الحلم الذي كان يصبو إليه أم يصطدم بحاجز من الأوهام.

تحكي الرواية الصادرة سنة 2021 عن المركز الثقافي العربي قصة زوجين مغربيين، إيمان وخالد، اللذين ينتقلان إلى إسطنبول رغبة في اكتشاف آفاق جديدة، في وقت تتدهور فيه علاقتهما الزوجية والعاطفية. وبمجرد أن يحطان الرحال في إسطنبول، هذه المدينة الأخطبوطية التي تمتد على قارتين وتحتضن 16 مليون نسمة، يلتقيان أشخاصاً من جنسيات عربية مختلفة قادتهم الأقدار إلى هذه المدينة الكبيرة بحثاً عن الاستقرار أو هرباً من واقع مؤلم.

تتطور الأحداث وتتشابك لتسلط الضوء على هذا “الحلم التركي” الذي يراود العديد من المهاجرين، متساءلة حول خبايا هذا الحلم الذي يستهوي الكثيرين في الوطن العربي، ومفاهيم الاغتراب والهوية والتجاذب الأبدي بين الشرق والغرب.

تاسعاً: رواية “من وحي آلة كاتبة” ليوسف كرماح

تضعنا رواية “من وحي آلة كاتبة” أمام تجربة دالة عميقة صوغاً ومادة، حيث اختار القاص والروائي يوسف كرماح هندسة الرواية على التداخل بين مستويين روائيين: مستوى الحكي عن الكتابة ككتابة وعلاقة الذات بها، كأن الموضوع الأثير يتمثل في تدوين سيرة للكتابة وفق رؤية الروائي لها في هذه التجربة النواة، ثم مستوى الرصد الواقعي الذي يجسد نقلة وإيقاعاً تنويعياً يتأتى من خلاله التقاط تفاصيل يحبل بها الواقع في جرأة نادرة تعمل على تعرية الراهن في مختلف مستوياته وأبعاده الاجتماعية والسياسية.

هذا التداخل وسم الرواية بالتكامل الإبداعي القوي، مما يجعلها تجربة جديرة بالقراءة والتداول، كما أنها تمثل إيحاءً بعيد المدى عن تجربة لها أن تضيف إلى مسار الرواية المغربية والعربية.

عاشراً: رواية “العشيق السري لفراو ميركل” لريم نجمي

تطرح هذه الرواية سؤالاً استفزازياً: هل للمستشارة الألمانية الشهيرة السيدة أنجيلا ميركل عشيق سري؟ هذا ما يدّعيه، على الأقل، يونس الخطيب الشاب السوري الذي ولد في ألمانيا في أسرة متدينة مهاجرة.

تمثل أنجيلا ميركل ليونس لا فقط القيم الألمانية والأوروبية التي يؤمن بها، وإنما ظل يعتبرها “حب حياته” في لحظة انفلات غامضة، والتي سيحقق معها خططاً مستقبلية اتفقا على تحقيقها بعد أن تترك منصبها كمستشارة.

رواية مهاجرة تطرح سؤال الهوية في خلطة من المتخيل والحلم والتجاوز كتبتها الروائية المغربية ريم نجمي. وتعد هذه الرواية التعاون الثاني لريم نجمي مع دار النشر المصرية اللبنانية، إذ سبق وصدر لها “تشريح الرغبة”، وهي رواية نسوية بامتياز نجحت في كشف تناقضات رجل شرقي، وإن تعلم وعاش وارتدى زي الألمان وتحدث بلسانهم، لكنها لم تحرمه حق الدفاع عن نفسه.

خاتمة

تشكل هذه الروايات العشر مشهداً متنوعاً وثرياً للإبداع الروائي المغربي المعاصر، حيث تتقاطع فيها الهموم الإنسانية الكبرى مع التجارب الشخصية والجماعية المعاصرة. من استدعاء التاريخ واستنطاق الذاكرة إلى استكشاف تجارب الهجرة والاغتراب، ومن نقد الواقع الاجتماعي والسياسي إلى طرح أسئلة الهوية والانتماء، تقدم هذه الأعمال قراءات متعددة للحالة الإنسانية المعاصرة.

إن تنوع الأساليب السردية والتقنيات الروائية، من الملحمة التاريخية إلى الرواية النفسية، ومن السرد الكلاسيكي إلى التجريب في الشكل والمضمون، يعكس نضج الكتابة الروائية المغربية وقدرتها على مواكبة التطورات الحديثة في فن الرواية عالمياً.

تدعونا هذه الروايات إلى التفكير في قضايا عصرنا المعقدة، وتفتح أمامنا نوافذ للفهم والتأمل، سواء في علاقتنا بالتاريخ والتراث، أو في تجاربنا مع الحداثة والعولمة، أو في رحلتنا الدائمة للبحث عن الذات والهوية في عالم متغير. إنها دعوة مفتوحة للقراءة والحوار مع نصوص تحمل في طياتها ثراء التجربة الإنسانية وتعقيداتها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى